الخميس، 9 أغسطس 2012

عنـف الأطفــال.. قنابل موقـوتة … احذروها



هل صحيح أن الطفل صفحة بيضاء يمكن أن ننقش عليها ما نريد خيرا كان أم شرا؟
هذا ما تثبته هذه الحقائق:
طفل عدواني تعود أن يخدش سيارة جارتي بسكين حاد كل فترة ويرسم بها خطوطا وأشكالا توجع القلب، تريني إياها الجارة المسكينة وهي تكاد تبكي من فرط حزنها على ما يصيبها من دمار وخراب.. الطفل لا يردعه شيء.. لا شكايات الجارة لأمه ولا للمخفر، الذي لم تستطع صاحبة الحق أن تثبت أن أحدا رآه في المرات العديدة التي شوه بها سيارتها، ولا الخادمة التي ضبطته متلبسا فلم يخجل وذكر لها بكل فخر أنه هو بطل هذه التشويهات على جسد السيارة المسكينة، وبعد ذلك أنكر ما قال.
هذا وغيره كثير من عنف الأطفال دفعني الى بحث هذا الأمر ومناقشة القضية من خلال هذا التحقيق مع أساتذة التربية وعلم النفس للتعرف على أسباب هذا العنف ودوافعه، والى أين يقود أصحابه في مستقبلهم الذي لا أظنه سعيدا بفضل هذا السلوك، وأضيف ان الجارة المعتدى عليها لم يكن بينها وبين اسرة الطفل أو أحد من الجيران خصومة أو ثأر يوجب ان يتولى الطفل أخذه نيابة عن أحد.
ترى ما هي المشكلة؟ ولماذا ينفس هذا الطفل البائس عن مشاعره العدوانية بهذا الأسلوب؟ وإلى أين يقوده هذا السلوك؟ وما حكاية عنف الأطفال وهم رمز البراءة ومن أين ينبع هذا العنف؟
سألت جارتي أم سعيد: ما الذي جعل هذا الطفل العدواني يختارك أنت دون غيرك من الجيران.. ربما كانت بينك وبين اسرته خصومة أو احد من الجيران؟
أجابت: لم يحدث ابدا بل إنه لم يخصني وحدي، فلم يترك أحدا لم يعتد على سيارته، إنما بالنسبة لي ما أغاظه مني وصار هذا دأبه معي يرسل لي رسائله العدوانية على جسد سيارتي التي طعنها من كل الجوانب، أنني عرفته بعد أن وقف مرة وقال للخادمة التي كانت تغسل السيارة أنا فلان، الذي عملت كل ذلك في السيارة.
وحين بشرتني الخادمة بالخبر، ذهبت لأمه فوجدتها سيدة متعلمة، مع الأسف، لكنها كانت واجمة أو ربما مستسلمة وهي تسمع شكواي عن ابنها، نهرته بكلمات أصر هو بالرد عليها بالإنكار، وكان ينظر إلي خلال ذلك الحوار معها بقسوة لا أدري من أين جاءته، ولما سألت باقي جيرانه والحارس الخاص بالعمارة، أجابني بأنني لست الوحيدة التي فعل بها ذلك، لكنه لم يترك أحدا لم يؤذه في العمارة والعمارات المجاورة،
سألت عن والده، حيث رأيت امه عاجزة امامي عن كبح جماحه، والحديث مايزال للجارة ام سعيد، عرفت ان امه مطلقة، وان والده ذهب اليه الكثيرون يشكون من عدوانية الطفل، فكان يسبهم ويسبقهم الى المخفر يسجل لهم المحاضر ويتهمهم بالعدوان على ابنه البريء.
خلافات عائلية
سألت ام الطفل عن سر هذا العنف في سلوكيات طفلها، وما الذي ادى الى وصوله الى هذه المرحلة؟، فأجابت ام وليد، وهو ليس اسمها الحقيقي، بحرن:
الواقع انه منذ ولادة هذا الطفل وانا في خلاف وهوشات مع والده، وكثيرا ما كنت اعنفه لأبسط خطأ واحرجه امام اصحابه من اولاد الجيران ، كان صغيرا (3 أعوام)، وقتها ولم اكن اعرف ان ذلك له تأثير عليه، وكنت اعاني كثيرا في حياتي الزوجية، فقد تركني والده وتزوج من دون ان يتحمل حتى مصاريف حضانته، وبعد ذلك المدرسة، واضطررت ان اخرج للعمل انا التي ما تعودت على ذلك في بيت اسرتي، وهكذا كان يمضي بعض وقته في الحضانة والبعض الآخر مع الخادمة.
ولما كبر قليلا بدأت الاحظ عناده وعنفه وقسوته في التعامل مع اصحابه.
ألم تكوني تصحبينه في فسحة او نزهة او ترافقينه للأماكن العامة او لممارسة اي نشاط؟
لم يكن لدي وقت لذلك، كنت مطحونة بين العمل حيث اداوم فترتين، والبيت وكانت تصرفات وهوشات الولد تجلب لي المشاكل يوميا، كما رأيت بنفسك، لذلك اضطررت ان احيل هذه المشاكل الى والده الذي لا يتسع وقته لنا، وان اتسع فإنه يفضل اولاده من زوجته الاخرى علينا، كان ذلك يجعل ابني يبكي، واعتقد ان هذه الحالة ربت لديه عقدة الانتقام من الآخر، لانه يحس انه لا يحظى برعاية مثل اخوته من والده.
ألم تفكري في علاج نفسي لطفلك حتى لا تسوء العاقبة؟
انت تتكلمين عن ام مثالية لديها المال والوقت والنفسية القادرة على تحمل مسؤولياتها.. انا امرأة حطمني طلاقي وها هو يحطم ابني معي.
قنبلة موقوتة
لم اجد سوي الدكتورة لطيفة الكندري استاذة الاصول والادارة التربوية ومديرة المركز الاقليمي للطفولة والامومة التابع لليونيسيف، لأسألها عن هذه القضية الحيوية والمؤثرة على مستقبل اطفالنا وصحتهم النفسية والعقلية.
سمعت قصة هذا الطفل وغيره الكثيرين ممن يصبح العنف صفة لصيقة بهم: من أين يأتي العنف؟ ما أسبابه ومظاهره؟
أجابت:
الأصل في الأطفال الفطرة والبراءة ولكن استعداد الإنسان لقبول الطباع السيئة قد يجعل من السلوك العدواني في أسوأ حالاته قنبلة موقوتة إذا حان أوان انفجارها تضررت الأسر الآمنة وكم من حدث في سجون الأحداث تحدثنا معه واستمعنا له وله قصة تُبكي وتُدمي القلوب.
السلوك العدواني هو هجوم ليس له مبرر وفيه ضرر للنفس أو الناس أو الممتلكات والبيئة والطبيعة وقد يكون العدوان لفظا أو عمليا.
من أسباب ظهور السلوك العدواني عند الطفل:
1 الإحباط والحرمان والقهر الذي يعيشه.
2 تقليد الآخرين والاقتداء بسلوكهم العدواني الذي يشاهده (الأب – الإعلام – الـمُدرس).
3 الصورة السلبية للأبوين في نظرتهم لسلوك الطفل.
4 الأفكار الخاطئة التي تصل لذهن الطفل عندما يفهم أن الطفل القوي الشجاع هو الذي يصرع الآخرين ويأخذ حقوقه بيده لا بالحسنى.
5 عزل الطفل في مراحله الأولى عن الاحتكاك الاجتماعي وقلّة تشجيعه على مُخالطة الناس.
مظاهر السلوك العدواني
هل هناك مظاهر للسلوك العدواني؟
ـنعم كالتالي:
نشاط حركي زائد يغلب عليه الاضطراب والسلوكيات المرتجلة.
اشتداد نزعة الاستقلال والتطلع الى القيادة ولكن بطرائق غير مقبولة.
يعبر عن نفسه وأحاسيسه ورغباته بطرق غير لائقة (الصراخ، الشتم، يسرق السيارة، يركل الصغار ويتصارع مع الكبار، الكتابة على الحائط، إتلاف الممتلكات). يريد الطفل بسلوكياته العدوانية أن يحقق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة.
التضجر السريع والتأفف من الاحتكاك بالناس.
تبرير التصرفات بأسباب واهية.
يعتاد الفوضى في غرفته وتصرفاته.
يتحاشى الجيران من لقياه خوفا من التصادم معه فهو غير اجتماعي.
المجادلة العميقة في أمور تافهة.
يشبع رغباته ويستمتع بهواياته من غير أن يراعي الظروف العامة.
إهمال الآداب العامة (توقير الكبير والرأفة بالصغير، إظهار مشاعر المودة والألفة والاحترام – يخرق حق الاستئذان ولا يهتم بمشاعر غيره).
إساءة الأدب في مخاطبة الخدم والفقراء والقسوة عليهم.
النفور من النصح والتمادي في العناد.
تعزيز المبادرات الإيجابية
كيف السبيل لعلاج مثل هذه الحالات الضارة بأطفالنا؟
ـمن وسائل معالجة السلوك العدواني لدى الأطفال:
1 تصويب المفاهيم الخاطئة في ذهن الطفل ونفي العلاقة المزعومة بين قوة الشخصية واستخدام العنف في حل مشاكل الحياة.
2 إقناع الطفل بأن الإنسان القوي لا يغضب لأتفه الأسباب ولا يستخدم العنف في تعامله مع الآخرين.
3 الحرص على تشجيع الطفل على مصاحبة الأطفال الجيدين ممن لا يحبون أن يمدوا يد الإساءة للآخرين.
4 استخدام العقاب من خلال تصويب الخطأ فإذا تلفظ الطفل بعبارات غير مهذبة في تعامله مع الآخرين وهو غاضب فيُطلب منه أن يعتذر بعبارات مؤدبة وإذا قام بضرب آخر فعليه مثلا أن يقدم إليه هدية أو أن يعتذر إليه أمام زملائه إذا وقعت المشاجرة أمامهم.
5 إيجاد القدوة الواقعية في محيط الاسرة والمجتمع مع رواية القصص والمواقف النبيلة الدالة على كظم الغيظ وضبط النفس كي يتأسى بها الطفل.
6 اختيار البرامج التلفزيونية المناسبة لعمر الطفل وقيم المجتمع، وانتقاء الألعاب ذات الأغراض التعليمية أثناء شراء الهدايا واللعب.
7 – ارشاد الطفل الى بعض الطرق لحل الأزمات ومواجهة عدوان الآخرين بحكمة.
8 وضع مبادئ عامة في الاسرة مثل أنه لا يُسمح أبدا لأي طفل ان يلعب وأن يمزح مع أخيه بأي مادة حادة أو خطرة.
9 تعزيز المبادرات الايجابية للطفل المشاغب إذا بادر الى سلوك ايجابي يدل على احترامه للآخرين من المدح والثناء.
10 فتح باب الحوار مع الاطفال في البيت والمدرسة كي يتحدثوا عن معاناتهم مع الاطفال الذين يعاملونهم بقسوة وما سبل العلاج وما المبادئ التي يجب ان توضع ويعمل على تنفيذها الجميع.
11 اهمية تبادل الخبرات الناجحة والتجارب العملية في تقليل السلوك العدواني بين المربين والاقارب.
12 في حال عجز المدرسة والاسرة عن مواجهة السلوك العدواني واستمرار الطفل في الحاق الضرر بالاخرين او بنفسه او بما يحيط به فانه تتوجب استشارة مرشد نفسي.
13 تدريب الطفل على اللعب الجماعي وتعويده على التعاون والمشاركة وانه متميز وهذه الموضوعات من اهم مواضيع مهارات الحياة.
14 توثيق علاقة البيت بالمدرسة لمتابعة السلوك الاجتماعي للطفل.
وتضيف:
من خلال كل ذلك ترين ان على اسرة هذا الطفل مواجهة سلوكه العدواني باستشارة مرشد نفسي، والا فانه سيستمر في الحاق الضرر بالآخرين وبنفسه وبما يحيط به.
الكبت يولد الانفجار! 
د. خضر البارون، استاذ علم النفس بجامعة الكويت، يرى أن كبت مشاعر الاطفال يولد لديهم العدائية تجاه اخوتهم وتجاه الآخرين، كما يؤدي لانسحابهم من جميع النشاطات مثل اللعب وعدم التحدث للآخرين والانزواء.
ودعا البارون الى ابعاد الاطفال دون السنوات الخمس عن مشاهدة العنف بكل اشكاله وصور القتل، حيث تؤثر فيهم سلباً، من خلال مشاهداتهم من الفضائيات ونشرات الاخبار، ذلك لانهم لا يستطيعون استيعاب ما يحدث حولهم من عنف، حيث يتصورون انه يمكن ان يحدث لهم ولأفراد اسرهم، وان الاطفال دون خمس سنوات، نراهم دائماً شديدي الالتصاق بالوالدين في هذه الظروف، لانهم يحتاجون الى لمسة من الحنان والرعاية التي لابد ان تغمرهم، حتى يشعروا بالراحة النفسية.
كما اكد ان الضغوط النفسية التي يتعرض لها الاطفال، قد تدفعهم الى العنف، وان غياب الوالدين عن الطفل وانهماكهما في العمل، يؤدي الى لجوء الطفل للخادمة واعتبارها المرجع الاساسي له وهذا قد يعرضه للخطر، وانه قد يلجأ لاساليب لفت نظر والديه للاهتمام به اما بالحركة الزائدة او بالعدوانية على اخوته او غيره او بالعزلة نتيجة الاكتئاب.
ويؤكد د. البارون ان ما يهم الاطفال هو الوقت النوعي الذي يستمتعون به مع والديهم، وليس الوقت الكمي وليس بعدد الساعات، كما قرر ان غياب الاب عن امور التربية لاطفاله واعتبارها كاملة من اختصاص الام قد يؤدي الى هذه النتائج السلبية، ايضا الطلاق وتفتيت الاسرة ينعكس سلبا على الاولاد، ويختتم هذا التصريح بأن مصاحبة الوالدين للاولاد مهمة جدا لتكوين شخصية متماسكة وقوية لدى الطفل.
نوايا ضلت الطريق
الدكتور عبدالعزيز الغنام، دكتوراه في التربية والتعليم، يرى ان انحراف الابناء داخل المجتمع ناتج من اساليب تربوية خاطئة، بعضها صادر عن نوايا طيبة ضلت الطريق بسبب الجهل وبعضها الآخر صادر عن ممارسات تسلطية من الابوين او الصحبة او الاخوة او غير ذلك، كما يؤكد ان الطفل في سنواته الاولى اسفنجة تمتص كل ما يدور حولها، لذلك يجب مراعاة هذا الامر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق